الحسد
الحسد
الحسد صفة مَرضِيِّة مذمومة، وهو من أشد أمراض القلوب فتكًا بصاحبه، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أمته عن التلبس بهذه الصفة، فقال: (لا تحاسدوا ...) وكان من جملة ما أخبر به عليه الصلاة والسلام أمته أن قال: (دب إليكم داء الأمم الحسد والبغضاء).
والقرآن الكريم نهى المؤمنين عن تمني ما للآخرين من نعمة، وطلب منهم التوجه بالسؤال إلى الله عز وجل طلبًا لفضله، وأملاً بعطائه، فقال تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله} (سورة النساء: 32).
وقد فُسرت الآية الكريمة بالحسد، وهو تمني الرجل نفس ما أُعطيَ أخوه من نعمة، بحيث تنتقل تلك النعمة إليه وفُسرت كذلك بتمني ما هو ممتنع شرعًا، كتمني النساء أن يكون لهن مثل ما للرجال من الفضائل الدينية كالجهاد، والفضائل الدنيوية كالمساواة في الميراث، والإدلاء في الشهادات أو تمني ما هو ممتنع قدرًا، كتمني النساء أن يكن رجالاً، وأن يكون لهن من القوة ما لهم، أو كتمني أحد من هذه الأمة، أن يكون نبيًا بعد ما أخبر الله تعالى، أن نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء.
في المقابل جاء في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها).
وظاهر هذا الحديث يدل على أن الحسد مذموم إلا في خصلتين اثنتين، فهو فيهما محمود وممدوح، وهاتان الخصلتان هما: طلب العلم للعمل والتعليم، وطلب المال لإنفاقه في أبواب الخير.
وربما يشكل هذا الحديث مع ما جاء في الآية السابقة، الناهية عن تمني ما في أيدي الآخرين من نعمة وفضل ووجه ذلك، أن الآية الكريمة أطلقت النهي عن تمني ما فضَّل الله به بعض عباده على بعض في حين أن الحديث الشريف نهى عن الحسد عمومًا، واستثنى منه أمرين: طلب العلم، وطلب المال.
فالحديث وجَّه المؤمن إلى تمني أن يكون له مثل ما للآخرين من نِعَم، دينية كانت أو دنيوية، أما الآية فقد نهت المؤمن عن تمني حصول النعمة ذاتها التي أنعم الله بها على بعض عباده. وعلى هذا تكون الآية نهت عن تمني الإنسان ما في يدي غيره، بحيث تخرج من يده وتصير إليه في حين أن الحديث رغب المؤمن أن يتمنى أن يكون له من الخير مثل ما للآخرين، من غير أن تزول تلك النعمة عنهم.
وقد قسم العلماء الحسد إلى قسمين، أحدهما محمود والثاني مذموم، فأما الحسد المحمود فيسمى حسد الغبطة، وهو أن يتمنى الإنسان أن يكون له مثل ما للآخرين، من غير أن تزول تلك النعمة عنهم.
أما الحسد المذموم فهو أن يتمنى المرء زوال النعمة عن الغير، سواء عادت تلك النعمة إليه، أم عادت إلى غيره.
وانطلاقًا من هذا التقسيم يمكن أن نفهم أن الحسد المنهي عنه في الآية هو الحسد المذموم، وهو تمني زوال النعمة عن الغير أما الحسد الذي رغَّب فيه الحديث النبوي فهو حسد الغبطة وشتان الفارق ما بينهما.
ولتعلم أن ما قيل في التوفيق بين الآية والحديث، يقال أيضًا في حديث آخر، فيه قوله صلى عليه وسلم: (إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو نيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علمًا، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيته، فوزرهما سواء).
وعليه فلا بأس يغبط المؤمنُ أخاه على ما يفعله من أعمال البر، وأن يتمنى أن لو فعل مثل ما فعله، ويعمل على ذلك بل إن المؤمن مطالب بأن ينظر في أمور الدين إلى من هو فوقه، وأن ينافس في طلب ذلك مقدار جهده وطاقته.
يقول تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} (سورة المطففين:26)، فإذا فاقه أحد في فضيلة دينية، اجتهد أن يلحق به، وحزن على تقصيره وتخلفه عمن سبقه لا حسدًا لهم على ما آتاهم الله، بل منافسة لهم، وغبطة وحزنًا على النفس بتقصيرها وتخلفها.