كيف نصوم؟
كيف نصوم؟
من الله علينا بشهر رمضان فهو شهر كريم وموسم عظيم للطاعات، يعظم الله فيه الأجر، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب، شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
ففي الصحيحيـن عن أبـى هريرة رضي الله عنـه أن النبـي صلى الله عليـه وسلـم قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين".
وفي الصحيحين أيضا عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالـى، كل عمـل ابن آدم لـه إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفـث ولا يصخـب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صـائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحـتان يفرحهـما إذا أفطـر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
وفيهما أيضًا عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للجنة بابًا يقال له الريان، يقال يوم القيامة: أين الصائمون؟ فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب".
وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة من الأمم قبله: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة، قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل يوفى أجره إذا قضى عمله".
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".
وعليه فإن هناك جملة من الآداب التي كان يلتزم بها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، حتى يتحلى بها الصائم في رمضان ليحقق غايته وهي:
1- أن يقوم الصائم بما أوجبه الله عليه من العبادات القولية والفعلية، ومن أهمها الصلاة, وأن يؤديها في وقتها بأركانها وواجباتها وشروطها مع الجماعة في المسجد.
2- أن يجتنب الصائم جميع ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال مثل الكذب والغيبة والنميمة، وأن يتجنب قول الزور والعمل به، وأن يغض من بصره ويحفظ فرجه، فعن جابر رضي الله عنه قال: " إذ صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب و المحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء".
3- معرفة أحكام الصيام، حتى لا يقع المسلم فيما يفسد صومه وهو لا يدرى، فينبغي على المسلم أن يسأل أهل العلم عما يشكل عليه من أحكام الصيام.
أداء زكاة الفطر التي فرضها الله تعالى في رمضان صاعا من طعام الآدميين من تمر أو أرز أو شعير أو زبيب أو غيرها، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطــر من رمضـان صاعـًا مـن تمـر أو صاعـًا من شعير.... ".
والحكمة من أداء هذه الفريضة أن فيها إحسانًا إلى الفقراء ومواساتهم، وفيها تطهير للصائم لما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم، وفيها إظهار شكر نعمة الله بإتمام صيام رمضان وقيامه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصـائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين..."
1- أستقبال رمضان بنية أن تصومه إيمـانًا واحتسابًا، وأن تفتح في أول ساعة منه صفحة جديدة في سجل أعمالك، ومعك العزم الأكيد على التزود فيه بصالح الأعمال، فمن أدركه رمضان ولم يغفر له فقد خاب وخسر.
2- إذا رأيت هلال رمضان فقل كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله هلال رشد وخير".
3- تأخير السحور، وأن ينوي بسحوره امتثال أمـر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بفعله ليكون سحوره عبادة، وأن ينوي به التقوي على الصيام ليكون لـه بـه أجر.
4- تعجيل الفطـر عند غروب الشمس، فعـن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال أمتي بخيـر ما عجلوا الفطر".
والسنة أن يفطر على رطبـات فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء كما في الحديث الصحيح، فإذا صلى المغرب تناول حاجته من الطعام.
5- الدعاء عند الفطر وأثناء الصوم لأنها من الأوقات المستجاب فيها الدعاء، ففي سنن ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد".
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند فطره: " ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله"، وكان يقول: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت".
6- قيام رمضان "صلاة التراويح" وهي سنة مؤكدة، وتسن فيها الجماعة، وله ميزة وفضيلة عن غيره في أي وقت آخر لقوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، وهي إحدى عشرة ركعة، وكان السلف رضوان الله عليهم يطيلونها، فكان القارئ يقرأ بالمئين من الآيات في الركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، ويجب أن تؤدى بهدوء وطمأنينة، وعلى المأموم ألا ينصرف حتى ينتهي الإمام من صلاة الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله، ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد.
7- العمرة لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عمرة في رمضان تعدل حجة ".
8- تجنب الإفراط في الأكل والشرب، فإن من حكمة الصوم التخفيف عن المعدة، فإنه ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه، ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه في بقيته فيفوت المقصود من الصيام، فالمقصود منه أن يذوق طعم الجوع، ويكون تاركا للمشتهى.
9- لا تجعل شهر الصوم شهر فتور وكسل، فهو شهر جلد وصبر، يتسلح فيه المؤمن بقوة الإرادة، فينشط إلى العمل والكفاح.
10- استعمال السواك في نهار رمضان فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتسوك وهو صائم .
11 - كثرة القراءة والذكر والدعاء والصلاة والصدقة، فروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ".
12- أستحضار قدر نعمة الله تعالى عليه بالصيام، حيث وفقه له وأتمه عليه، فإن كثيرًا من الناس حرموا الصيام إما بموتهم قبل بلوغه، أو بعجزهم عنه، أو بضلالهم وإعراضهم عن القيام به، فليحمد الصائم ربه على نعمة الصيام التي هي سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، ورفع الدرجات في دار النعيم.
13- اغتنام العشر الأواخر ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" وفي رواية لمسلم عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها".
15- الاعتكاف: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، وفى الاعتكاف قطع لأشغاله وتفريغ لباله وتخلية لمناجاة ربه وذكره ودعائه، فحقيقته قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بعبادة الخالق.
16- تحرى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر لأنها الليلة التي أنزل فيها القرآن، والتي وصفها الله تعالى بأنها يفرُق فيها كل أمر حكيم (أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة ما هو كائن من أمر الله سبحانه في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر وغير ذلك من الأوامر المحكمة).
ومن فضائل هذه الليلة ما ثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، أي إيمانا بما أعد الله من الثواب للقائمين فيها واحتسابا للأجر وطلب الثواب، وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة والدعاء لما روت السيدة عائشة رضي الله أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: " قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى".
17- ختام رمضان فقد شرع الله في ختامه عبادات تزيدنا منه قربًا، وتزيد إيماننا قوة وفى سجل أعمالنا حسنات، فشرع لنا التكبير عند إكمال العدة من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون).
وشرع الله سبحانه لعباده صلاة العيد وهى من تمام ذكر الله تعالى، ومما شرعه الله عز وجل صيام ستة من شوال ففي صحيح مسلم من حديث أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر كله"